24 فبراير 2022

السينما المغربية بصيغة المؤنث Le cinéma marocain au féminin

 


الوجه والقفا: مشروع قراءة مزيدة ومنقحة في غلاف كتاب
قد يوائم استهلال هذا المنشور بالإشارة إلى أربعة أمور:
1 - الوجه والقفا من المصطلحات التي استعملها السيد بيير ماشري في القسم الأول من كتابه: دفاعا عن نظرية في الإنتاج الأدبي (1966).
2 - يشير الوجه هنا إلى صفحة الغلاف الأولى؛ أما القفا، فيشير إلى صفحة الغلاف الرابعة. والغلاف نص من أربع صفحات: اثنتان ممتلئتان (الأولى والرابعة) وثنتان فارغتان (الثانية والثالثة).
الغلاف نص قائم الذات ومستقل استقلالا نسبيا عن الكتاب الذي يشكل سترته. ومجموع الغلاف عنوان الكتاب بالمعنى الواسع للعنوان، وهو المعنى الذي نجده في كتاب شارل غريفل: إنتاج الفائدة الروائية la production de l'intérêt romanesque
3- الكتاب الذي نسعى هنا إلى إلقاء بعض الإضاءات على غلافه - عنوانه كتاب حديث الطبع والصدور: طبعته المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش لفائدة الناشر LIMPACT (مختبر اللغة والهوية ووسائل التواصل والتراث والثقافة والسياحة) وهو واحد من المختبرات النشيطة في رحاب كلية الآداب بجامعة القاضي عياض. وهو الكتاب ذاته الذي يشكل موضوع لقاء خميس القاضي عياض يوم ٢٤فبراير ٢٠٢٢ ابتداء من الثالثة مساء- قاعة المحاضرات بكلية الآداب بجامعة القاضي عياض. وفي هذه المبادرة ما يستحق الانتباه؛ فهي ترسيخ إضافي لخميس القاضي عياض كتقليد علمي جامعي؛ وهي احتفاء بمولود رمزي يماثل العقيقة التي تشكل احتفاء بالمواليد البيولوجيين؛ وهي قبل ذلك وبعده، أول مرة في تاريخ الكلية والجامعة يبادر فيها مختبر(وهو هنا مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف) إلى الاحتفاء بالمنتج العلمي لمختبر آخر( مختبر اللغة والهوية ووسائل التواصل والتراث والثقافة والسياحة)؛ وهو ما يفيد أن هذه المبادرة سابقة تاريخية غير مسبوقة.
صدر كتاب السينما المغربية في صيغة المؤنث بصفته المنشور الثاني ضمن سلسلة إيريس التي يشرف عليها الزميل الدكتور أيوب بوحوحو الأستاذ بشعبة اللغة الفرنسية وآدابها. ومن الجميل جدا أن الكتاب هذا استثنائي في حجمه ومتميز في طباعته؛ فهو من الحجم 21/21 وهو حجم قليل نادر؛ ولقد طبع فوق ورق ناعم صقيل من عيار 170 غرام وهو ورق ثمين ومكلف جدا.
4 - تضمن الكتاب خمسة عشر مداخلة أنجزتها أقلام مختلفة الانتسابات الجامعية ومتباينة الاهتمامات الأكاديمية؛ منها أقلام متخصصة في الدراسات السينمائية وفي حقل السمعي البصري؛ ومنها أقلام حشرت نفسها أو وجدت نفسها محشورة ضمن حقل لا هي منه في العير ولا في النفير. فماذا عن وجه هذا الكتاب وقفاه؟
لن يفوت المتأمل في غلاف هذا الكتاب الجماعي أن يلاحظ منذ البداية تناقضا بنيويا بين وجهه وقفاه: إذ صفحة الغلاف الأولى ممعنة في الحداثة إلى درجة السوريالية، في حين صفحة الغلاف الرابعة، بأشكالها وخطوطها الهندسية، مستنقعة في القدامة والتقليد. هناك طلاق بنيوي بين تصميم صفحة الغلاف الأولى وتصميم صفحة الغلاف الرابعة. وحدها صفحة الغلاف الأولى تعود إلى ابن البيضاء الذي عاش قسطا من حياته في بلجيكا: الفنان الرسام حميد دويب الذي تمت الإشارة فوق صفحة الغلاف الرابعة إلى أن رسم الغلاف من تصميمه، في حين لا يتحمل الرجل سوى مسؤولية صورة صفحة الغلاف الأولى.
فوق صفحة الغلاف الرابعة، وعلى خلفية أشكال هندسية ممعنة في التقليدانية، أربع فقرات مستوحاة من مقدمة الكتاب التي تكفل بها الزميل ذ. أيوب بوحوحو؛ ثم رمز المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (CNRST)؛ وأسفل الصفحة رقم التصنيف الدولي المعياري؛ وعلى يمينها، ذكر لصاحب صورة الغلاف الفنان الرسام حميد دويب؛ وأخيرا، رمز مختبر اللغة والهوية ووسائل التواصل والتراث والثقافة والسياحة. وحق هذا الرمز أن يكون فوق صفحة الغلاف الأولى؛ أما وجوده هنا فوق الرابعة، ففيه نوع من تبخيس قيمته وترخيصها. وهذا لا يخفى حتى على المبتدئين في دراسة السيميائيات وأمور التسويق Markdting التجاري والتسويغ الثقافي...
ومثلما أن التناقض يشكل المنطق المتحكم بالعلاقة بين الوجه والقفا، فكذلك الأمر بالنسبة لكافة مستويات هذا الغلاف - السترة؛ إذ تتحكم بها ثنائيات ضدية: الذكورة/ الأنوثة، الخشونة/ النعومة، القدامة/ الحداثة، الغموض/ الوضوح، الحجز/ الاستشراف، المعتم / المضيء، إغلاق الأفق/فتح الأفق والتطلع إليه، الجديد/ القديم، السلطة/ الاحتماء بالسلطة.
وفي الإمكان مقاربة هذه الثنائيات الضدية من خلال ألوان صفحة الغلاف الأولى ومكوناتها اللفظية linguistiques وكذا من خلال دليلها الإيقوني signe iconique وقوامه صورة الغلاف التي أنجز رسمها الفنان حميد دويب، والتي تحمل الكثير من الآثار السوريالية والفلامندية (بلجيكا).
يلاحظ المرء فوق صفحة غلاف هذا الكتاب:
أولا. رمز جامعة القاضي عياض وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش. ويومئ الرمز هذا إلى سلطة مؤسسية ومؤسسة: السلطة الجامعية موطن وحمى مختبر اللغة والهوية ووسائل التواصل والتراث والثقافة والسياحة.
ثانيا. العنوان بحصر المعنى، أي الدليل اللساني الدال على موضوع الكتاب ومجاله: السينما المغربية بصيغة المؤنث. الشق الأول من العنوان (السينما المغربية) كتب باللون الأصفر الدال على الثراء والخديعة والغش والابتسام المتصنع الذي لا علاقة له بالفرح الحقيقي...وهي جميعا معاني ودلالات وثيقة الصلة بالسينما؛ أما الشق الثاني منه (بصيغة المؤنث) فقد كتب بخط شبه يدوي وبلون وردي. والوردي نسائي بامتياز ومن دلالاته الرقة والنعومة والأنوثة والبهجة والسعادة والفرح والإبداع والتميز والإلهام والرومانسية والحب والمودة والتوافق والانسجام والتناغم والاقتراب من القلوب والوصول إليها.. لا بل اقتحامها والسطو على شغافها. باختصار، يدل الوردي على حضور أنثوي جارف يتناغم مع صورة تلك الأنثى المتطلعة للأفق البعيد والمشرئبة بنظرها إلى ما وراء اليد الخشنة التي تعلو النظر والبصر...
ثالثا. الإشراف على هذا المصنف الجماعي يشير إلى ثلاثة أسماء قد يبدو ترتيبها خاليا من القيمة، لكنه يتضمن الكثير من القيم: فالاسم الأول (أيوب بوحوحو) قديم في الحقل الجامعي وصار يشكل سلطة رمزية لها رأسمال رمزي محترم؛ أما الاسمان التاليان له (معاد أدهم وعبد العزيز عمراوي) فهما حديثا العهد بالحقل الجامعي ولهما رأسمال رمزي يتواءم مع حداثة عهدهما بهذا الحقل. ومن دلالات وجودهما هنا بالذات الاحتماء بالسلطة الرمزية للقديم والسابق في الحقل، أي احتماء PH بسلطة PES، احتماء الجديد بالقديم، احتماء الرأسمال الرمزي المتواضع بالراسمال الرمزي المحترم...
رابعا. تدل الإشارة الواردة أسفل يمين صفحة الغلاف الأولى على أن الكتاب صدر ضمن سلسلة إيريس وأن تاريخ إصداره هو السنة الجارية (2021). وسنعرف من خلال الجينيريك أن الأمر يتعلق بالطبعة الأولى وبسلسلة يشرف عليها ويديرها الزميل الأستاذ الدكتور أيوب بوحوحو...
خامسا. في خلفية جميع هذه المعطيات، تبدو صورة الغلاف مثيرة ومستفزة بطريقة رسمها وبألوانها المعتمة والمضيئة. في الصورة وجه أنثوي يتطلع إلى الأفق البعيد ويستشرف زمنا ممكنا ويطل على ما قد يأتي و قد لا يأتي. من الأكيد أن تلك العيون المتطلعة أنثوية. ومن الأكيد كذلك أن الشفاه والملامح أنثوية. ومن المؤكد ايضا أن الوجه برمته أنثوي. لكن ما شأن تلك اليد الخشنة والشاحبة ذات التجاعيد الوقحة؟ إنها ليست أنثوية بالتأكيد. فما هكذا تكون أيادي النساء... وما هكذا تكون أيادي النساء الورديات الناعمات... وما هكذا تكون أيادي النواعم الورديات المشتغلات في الحقل السينمائي والمنشغلات به...
من المحتمل جدا أنها يد ذكورية... أقول ذكورية ولا أقول رجالية، لأن الذكور كثر أما الرجال فقليل. والعهدة على صاحبي السيد بيير بورديو في حديثه عن الهيمنة الذكورية. وانسجاما مع ذلك، هل توائم مقاربة تلك اليد بصفتها تلميحا للسطوة الذكورية التي تعوق تطلع الإناث في السينما، كما في كافة مناحي الحياة، إلى ما هو وردي وجميل ودافئ وبهيج وسعيد وناعم ومتناغم ومنسجم...؟ ما معنى أن تعلو الخشونة النعومة؟ وما دلالة أن تكون الخشونة فاقعة اللون والنعومة داكنة الملامح والسحنة لدرجة تجعلها قاب قوسين أو أدنى من الاختفاء والامحاء؟ هل في لعبة الألوان (الداكن/ الفاقع) ما قد يحمل إيماءة أو إيحاء connotation بالسطوة الذكورية الخشنة التي ألحقت وتلحق الكثير من الأذى بالنواعم الورديات؟...
قد يتناسل عديد الأسئلة ويتوالد عبر تأمل هذه الصورة السوريالية الفاتنة. وهي مثل الكثير من رسومات الفنان حميد دويب: لا شيء فيها سوى الأيادي والأجساد. والرسام حميد يتقن بدقة هندسية متناهية الاشتغال على لغات اليد والجسد بالرغم من أن رسم اليد من أصعب الأمور في الرسم. ويبدو في هذا الرسم الحاذق كيف يتم تشخيص عمل الفنان، أي الكيفية التي تجعل المشاهد أمام عمل فني يعلن عن نفسه بصفته فنا. وليس الفن هدفا بذاته، وإنما الاشتغال على اليد والجسد يبغي هدفا محددا قد ندعوه دمقرطة الفن... الفن المتوجه نحو الجميع والذي يمكن الجميع أن يدركه بصفته فنا. وبرغم ما يمكن أن يكون لليد هنا في هذا الرسم بالذات من إيحاءات سلبية، فاليد عموما، وأيادي الفنان الحاذق حميد دويب تساعد على اللقاء مع الزمن. ومعروف وفق أطاريح السيد جيل دولوز أن السينما فن زمني بامتياز...
تلكم بعص الارتسامات الأولية التي بدت لنا ونحن نحاول تصفح هذا الكتاب الذي أهدانا - أنا والمختبر- الزميل الأستاذ أيوب بوحوحو نسختين منه؛ وهي ارتسامات لا تجد في نفسها كفاءة ادعاء القدرة على البت النهائي في النص الذي تعاطت معه؛ إذ النهائي لا وجود له في التاريخ... وحسب تلك الارتسامات أنها أولية ونسبية... ولكم واسع النظر...
عن مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف


18 فبراير 2022

جابر عصفور المنهج والمنهجية في قراءة التراث النقدي


يثابر ماستر النقد القديم أنساقه ومناهجه على صناعة باحثين حقيقيين، ليس همهم الحصول على نياشين المعرفة الجامعية التي تسمى شهادات؛ وإنما يطمحون إلى الانخراط الفعلي في أسئلة الشعب والوطن التي يعرفها الجميع تحت عنوان: التنمية الإنسانية.

وفي أفق تقديم أعمال هؤلاء الباحثين الحقيقيين للقارئ، الهاوي والمتنور، انخرط مختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف في تحضير سلسلة من البحوث العلمية تحمل اسم: مشاعل القاضي عياض؛ وهي توأم ومتمم السلسلة التي أصدرناها سابقا تحت اسم: منارات القاضي عياض.
وهذا الكتاب في الأصل رسالة جامعية تقدم بها الطالب الجاد والطموح المصطفى سعود لنيل شهادة الماستر تحت إشراف الأستاذ القدير الزميل مولاي يوسف الإدريسي؛ إذ أشرف على هذا البحث حين كان هنا (المغرب) وكتب مقدمته من هناك (جامعة قطر)؛ وهنا وهناك، يظل الأستاذ الإدريسي ذاك الباحث المنشغل دوما بتجديد السؤال في مدارات البحث العلمي الرصين؛ ويظل دائما في ذاك الموقع الشرفي الذي تسمح به مؤسسة الإشراف والذي يسمح بدوره بحيازة قصب السبق في الكلام والكتابة ضمن هذا الموقع الشرفي الذي تواضع الناس على تسميته: الخطاب المقدماتي.

والكتاب في صيغته الراهنة، يطمح إلى الانخراط ضمن أفق علمي معرفي يشدد على قيمة مشروع المرحوم الدكتور جابر عصفور في قراءة التراث النقدي والبلاغي عند العرب وفق منهجية نسقية تقارب تنوعه وغناه، وتفتش في فاعليته وقوة علائقه براهن المعرفة ومستقبلها.

وإذ يشتغل هذا الكتاب على سؤال المنهج والمنهجية في جابر عصفور للتراث النقدي العربي، بوصفه واحدا من الأسئلة التي تحكمت بمشروعه العلمي وشيدت إشكالاته الكبرى؛ فهو ينطلق بدوره من مجال استفهامي عريض وشائك: كيف قرأ الفكر النقدي الحديث والمعاصر خطاب النقد العربي القديم؟ ما الأدوات النظرية والآليات المنهجية التي تمت بها مساءلة هذا التراث؟ هل لقراءة جابر عصفور ما يميزها عن سائر القراءات؟ وما طبيعة هذا التميز؟ ثم ما طبيعة الأسئلة المنهجية التي اقترحتها قراءته؟ وما نسق الآلات النظرية التي توكأ عليها في القراءة والمقاربة والتأويل؟

10 فبراير 2022

قراءة التراث وأسئلة التنوير في تأبين جابر عصفور

 



في تأبين فقيد الحقل الثقافي العربي الدكتور جابر عصفور

ينظم ماستر النقد العربي القديم - أنساقه ومناهجه ومختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف يوما دراسيا في موضوع: قراءة التراث وأسئلة التنوير؛ تأبينا لفقيد الحقل الثقافي العربي الدكتور جابر عصفور. وذلك يوم الخميس 10 فبراير2022 والذي يصادف مرور أربعين يوما على رحيل الفقيد
يشارك في هذا اليوم الفريق العلمي لمختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف والفريق البيداغوجي لماستر النقد العربي القديم، علاوة على مجموعة من الطلبة الباحثين في سلك الماستر:
1 - المصطفى سعود: المنهج والمنهجية في قراءة جابر عصفور للتراث.
2 - الحسين إفقيرن: قراءة في كتاب التراث النقدي.
3 - فاطمة الزهراء وراح: مفهوم القراءة في منظور جابر عصفور.
4 - شيماء جودا: حوار جابر عصفور مع السيميوطيقي أمبرتو إيكو.
5 - أمينة عرجوني: حوار جابر عصفور مع منظر الرواية الجديدة ميشيل بوتور.
6 - رجاء شوبي: حوار جابر عصفور مع فيلسوف التفكيك جاك دريدا.
7 - مريم لهرود: قراءة في كتاب الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب.
8 - حسناء مخربي: جابر عصفور ومحنة التنوير.
وستتكفل مداخلات أعضاء الفريق العلمي للمختبر بإضاءة علاقات جابر عصفور بطه حسين وسهير القلماوي ومحمود سعيد أدونيس وبالعقلانية وفكر التنوير؛ كما ستضيء بعض جوانب المشروع النقدي لجابر عصفور والذي يشكل بحق تركة رمزية ممتدة وغنية وتبقى مفتوحة على جميع ممكنات القراءة....

09 فبراير 2022

سيميوطيقا الكذب

تستعمل اللغة العربية ترسانة من الكلمات للدلالة على ظاهرة الكذب التي لازمت الإنسان عبر التاريخ، منذ أساطير الأولين، وصولا إلى الأساطير الحديثة والمعاصرة، مرورا بأساطير القرون الوسطى وأساطير العصر الوسيط العربي الإسلامي.

وضمن هذه الترسانة: الخِدَاع، الغِشّ، الوَلْس، الإخْتِلاق، إالإِفْتِئَات، الإِفْتِراء، الإِفْك، الباطِل، البَهِيتَة، البُطْل، البُهْتان، التضْلِيل، التَخَرُّص، التَدْجِيل، التَزْوِير، التَزْيِيف، التَلْفِيق، الجَهَالَة، الخِداع، الدَجَل، الزور، الزَعْم، الضَلاَل، الضَلاَلَة، العَضِيهَة، العِضَة، الغِرّ، الغِوَايَة، الفَجْر، الفَنَد، الفِرْيَة، المَكْر، المَيْن، المُخَاتَلَة، المُخَادَعَة، المُدَاهَنَة، النِفَاق، الهِتْر، الوَكْع، الإِثْم، الذَّنْب، الأَفُوك، الأَلْس، الجُنُون، الغَدْر، الإِنْمال، النَّمِيمَة، الإِفْسَاد، الضَلاَل، الشَرّ، البَرْقَلَة، البَشْك، الإِسْرَاع، الضَيَاع، الفَسَاد، البَطِيط، العَجَب، البُقَر، المُصِيبَة، الخَرص، التَدْجِيل، الدَجْل،... ومن الأكيد أن ترادف هذه الكلمات لا يعني استخالة التمييز بين معانيها ودلالاتها.
لا يدل الكذب عموما على الخطأ والغلط، فبإمكاننا، حسب ما يقول جاك دريدا، أن نخطئ أو نغلط دون أن نكون قد كذبنا، وقد يحدث أن نمدّ الآخرين بمعلومات خاطئة، دون أن يعني ذلك أننا قد كذبنا عليهم. فعندما ننطق بأقوال خاطئة أو مغلوطة ونحن نعتقد أنها صحيحة، ونوصلها إلى الآخرين دون أن نقصد خداعهم، فنحن لا نكذب. فلا يكفي أن نصرح بأقوال أو نعبر عن أفكار وآراء خاطئة نعتقد على الأقل، في قرارة أنفسنا أنها صحيحة لنكون كاذبين.

وعليه، يوائم التطرق إلى مسألة النية أو النية الحسنة، والتي سبق لـلقديس أغسطين أن أومأ إليها في افتتاحيته لرسالته التي تحمل عنوان: في الكذب. فهو يقترح التمييز بين الاعتقاد والاقتناع؛ ويكتسب هذا التمييز يكتسب في منظورنا اليوم وبصفة متجددة أهمية قصوى.
يتضمن الكذب على الآخرين الرغبة في خداعهم، وذلك حتى إذا كانت أقوالنا حقة. والحال أنه بإمكاننا أن ننطق بأقوال خاطئة، دون أن نكون كاذبين، وأن نقول أقوالًا حقّة الهدف منها خداع الآخرين ونكون آنذاك كاذبين.
وعندما نعتقد أن ما نقوله صحيح ونؤمن به، فلا يمكن أن نكون كاذبين، حتى في حالة كون أقوالنا خاطئة. فعندما يؤكد القديس أغسطين بأنه “إذا قال أحد قولًا يعتقد أنه صحيح، أو هو على اقتناع بأنه حق، فهو لا يكذب.
الكذب قول غير صادق بنية الخداع والتضليل. وتدل الكلمة على جميع الأفكار والمعتقدات والممارسات التي يعتبرها الناس، ضمن مجتمع محدد، خاطئة أو كاذبة بهدف التضليل والخداع والإضلال، أي جميع الأمور غير الموائمة كي تصير موضوعا للتحقق منها أو موضوعا لمعرفة مؤكدة.
تاريخيا، شكلت الحقيقة الوسيلة التي استعملها الناس في أفق التمييز بين المقبول وغير المقبول اجتماعيا. وترتيبا على ذلك، تواطأ الجميع على أن كل ما هو كاذب يشكل موضوع لامبالاة وعداء ونفور. غير أن التاريخ يذكرنا أن الأمور لم تكن دائما على هذا النحو؛ إذ بجانب الذين ازدروا الأكاذيب وانتقدوها وأدانوها، وجد دوما من يصدقها ويستسلم لسلطة غوايتها، بل هناك من انتسب طوعا للأفكار والمعتقدات والممارسات الكاذبة.
ويصدق هذا كذلك على الحقبة الحديثة والمعاصرة؛ إذ برغم مظاهرها العقلانية والتشكيكية، فهي مغمورة تحت أمواج عاتية من الأكاذيب والأغاليط.
وأمام هذا الوضع، يناسب تماما طرح هذه الطائفة من الأسئلة: من أين تستمد الأكاذيب سلطتها؟ كيف يؤسس الكذب قدرته على تشكيل فيالق من المؤمنين والمريدين والأتباع؟ ما السبيل إلى إنتاج معرفة علمية بقدرة الكذب على الاسترار والديمومة والصمود في وجه جميع حملات تفنيده وتقويض بهرجته؟ ما الوسائل التي يستعملها خطاب الكذب؟ هل يمكن بناء نظرية لشفرات هذا الخطاب؟ وحين اعتبار الكذب فعلا دلائليا sémiotique، فهل يمكن تشييد نظريته السيميوطيقية؟ علما أن سؤال المرجع réfèrent لا ينطرح إطلاقا في تحديد هذا النمط من التدلال sémiosis، كما هو غير وارد حين التفكير في بناء تصنيف لأجناس خطاب الأكاذيب، منذ أكذوبة أهل الكهف، وصولا إلى جميع الأكاذيب الحديثة التي فكرت فيها حنة آرندت تفكيرا سياسيا في مداخلتها اللامعة عن السياسة والكذب، وأرخ لها جاك دريدا في سطور كتابه: تاريخ الكذب (2012)، وحلل بعضا منها أمبرتو إيكو ضمن مداخلاته عن قوة الكذب، وقارب البعض الآخر رولان بارط ضمن كتابه: أساطيريات...؟
تلكم بعض الأسئلة التي ستشكل مدار اللقاء المفتوح مع الزميل الأستاذ يوسف أيت همو الذي يستضيفه طلبة ماستر النقد القديم أنساقه ومناهجه ومختبر تحليل الخطاب وأنساق المعارف في لقاء مفتوح للحديث بصدد سيميوطيقا الكذب، ضمن برنامج: أحاديث الأربعاء؛ وذلك يوم الأربعاء 9 فبراير 2022 ابتداء من الثالثة بعد الزوال في رحاب كلية الآداب - جامعة القاضي عياض...

2018 حصاد